رسالة إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حول حملات ترحيل السوريين وموجة العنصرية الحالية وأوضاع مرضى السرطان

رسالة إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حول حملات ترحيل السوريين وموجة العنصرية الحالية وأوضاع مرضى السرطان

فخامة الرئيس رجب طيب إردوغان     المحترم         رئيس الجمهورية التركية

لطلما قدّر التحالف العربي الديموقراطي أهمية الدور المحوري والمبدئي لبلادكم في قضية الشعب السوري العادلة، والذي كان من الصعب على تركيا أن تحافظ على ثباته منذ العام 2011 وحتى عهد قريب، من دون تدخّل فخامتكم، مع حكماء تركيا ونخبها، ضد السياسات التي وصفتموها سابقاً بالمغامِرة وغير الاستراتيجية، وضد موجات العنصرية والكراهية التي تجد في خطاب بعض السياسيين الأتراك الشعبوي وقوداً يؤجّج نيرانها فتشتعل لتفرّق بين الشعبين التركي والسوري اللذين لا يزالان في مرحلة التعافي بعد كارثة الزلزال المدّمرة لكليهما.

فخامة الرئيس

حين قرّرت تركيا المضي في مسار تطبيع مع نظام بشار الأسد، نظر السوريون إلى ذلك على أنه خطوة سيادية تقدم عليها حكومتكم مع احتفاظها بثوابتها وحرصها على أمنها القومي. وحين قلتم، فخامتكم، كلماتكم المؤثرة العام الماضي ”لن نطرد اللاجئين السوريين الموجودين على أراضينا، ولن نرميهم في أحضان القتلة“، أكبر السوريون ذلك واحتفظوا لكم بوافر التقدير. وعاد السوريون، كما عهدتم منهم، واستبشروا خيراً بحديثكم في الفترة الفاصلة ما بين جولتي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حين رفضتم مساومة بعض أحزاب المعارضة التركية التي تستغل ملف اللاجئين وتحاول ابتزازكم بورقة اللاجئين السوريين.

أما اليوم فقد بتنا نشاهد صور الاعتقالات العشوائية والمعاملة المهينة لمواطنينا السوريين، الذين لجؤوا إلى تركيا، مثلما لجأ غيرهم إلى بلدان العالم، ضمن الاتفاقيات الدولية، والتي ضمنت لأي إنسان يفرّ من ظروف مهدّدة لحياته في بلده الأم، منتقلاً إلى أحد البلدان الموقعة على البرتوكولات المتصلة بهذا الشأن، الحق في الحصول على اللجوء أو الحماية المؤقتة، وهاتان الحالتان وما شابههما، تضمنان حقوقه في حرية الرأي والاعتقاد والتنقل من مكان إلى آخر، والحق فى الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وفرص العمل، ومثلما شدّدت هذه الاتفاقيات جميعها على أهمية التزامات اللاجئ تجاه الحكومة المضيفة، أكدّت أيضاً على ”عدم جواز إعادة اللاجئين“، وهو ما يصفه المصطلح القانونى بـ ”حظر الطرد أو الردّ“، إلا إن ارتكبوا ما يخالف القوانين الكبرى مخالفة صريحة ومتعمدّة. 

يزيد من هذه المأساة ما لا نشكّ بأنه قد وصل إلى مسامعكم حول أوضاع مرضى السرطان في شمال غرب سورية، حيث يعاني أكثرُ من 3 آلاف مصاب من السرطان، وسط فقر في المنشآت الطبية المُعدة لعلاج الأمراض الخبيثة في هذه المنطقة، فيما يمنع عليهم تلقي العلاج في تركيا.

إننا نخشى، يا فخامة الرئيس، أن ينحدر ما يجري اليوم، أياً كان من يتّخذ القرار بصدده أو ينفّذه، إلى مستوى هدم فعلي ومباشر لكل ما أسّستم له من مواقف سياسية سيذكرها التاريخ لكم ولحزبكم وحكومتكم ولتركيا وشعبها، لا سيما حين يرتبط بنعرات عنصرية معادية للعرب، تنتشر بشكل واسع، ولا تتوقف عند نزع وتخريب كل ما هو مكتوب باللغة العربية، لغة القرآن الكريم ولغة النبي الأعظم الذي كنتم أنتم شخصياً من شبّه لجوء السوريين إليكم بهجرته فراراً من الظلم في بلده.

لقد طالبنا عبر مبادراتنا العديدة، بدعم إصلاحات جوهرية في الشمال السوري، وناشدنا تركيا دعم تحويل هذه المنطقة إلى فضاء للتنمية والازدهار ينعم بالرخاء والأمن، إلى جانب مطالبتنا بتشجيع عملية انتخابية ديموقراطية حقيقية للمجالس المحلية فيها، وكانت كل مبادراتنا مقترنة بتهيئة الظروف للعودة الطوعية للسوريين إلى تلك المناطق. وقد تم تنفيذ بعض ما طمحنا إليه، لكنه لا يزال في بداية الطريق.

فخامة الرئيس

إن السوريين الذين يعيشون في بلادكم لديهم أطيب الآثار على المكان الذي حلوا فيه، وقد أسهموا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية التركية، وهم أول من يبحث عن الالتزام بالقوانين المحليّة، ولا مصلحة لأي منهم في خرقها أو مخالفتها. وقفوا بوجدانهم ومشاعرهم إلى جانب الشعب التركي ضد المحاولة الانقلابية في 15 من تموز عام 2016 دون أن يُطلب منهم ذلك، وفاءً منهم لتركيا وشعبها وحياتها الديموقراطية الآمنة، ووقفوا أيضاً ضد كل من يهدّد أمن تركيا وسورية القومي من إرهابيي PKK وفرعيه YPG ـ PYD  أو أي من التنظيمات المتطرفة الأخرى، بل قد يكون بعض من تعرضوا ويتعرّضون للأذى من السوريين اليوم، هو أحد أحفاد الشهداء الذين قاتلوا إلى جانب أجدادكم الأتراك في معركة “جناق  قلعة” عام 1915، ولعل الإخلاص لدماء أجدادنا يحتّم اللطف في التعامل مع أحفادهم واللجوء إلى الطرق القانونية والإنسانية.

ولكل ما تقدّم، فإننا نناشد فخامتكم استدراك الأوضاع قبل أن تتفاقم أكثر، وتخرج عن السيطرة، فأعداؤنا المشتركون ينتظرون مثل هذه الأجواء ليبثوا سمومهم، وينفذوا عبر ثغرات يمكن أن تُفتح في الجدار الصلب للعلاقات الوثيقة ما بين الشعبين التركي والسوري، علاقات حضارية وتاريخية وجغرافية وثقافية واقتصادية تضمن مصلحة بلدينا وشعبينا معاً. ونحن إذ ننتظر استجابتكم لمناشدتنا، نبقى عند إدراكنا العميق لأهمية هذه العلاقات العابرة فوق الحكومات والمصالح الحزبية مهما تقلّبت السياسات وتفاوتت الحسابات، ولذلك نخاطبكم اليوم من أجل التاريخ والمستقبل، لأنكم خير من قرأهما وفهم ضروراتهما وحرصَ على حفر مكانته فيهما.

تقبلوا فائق الاحترام والتقدير

الهيئة التنفيذية للتحالف العربي الديموقراطي

Author